توقفت السيارة فجأة أمام الباب الزجاجي لتعلن انتهاء مسار سفر طويل ..مسارا من الألم وربما من العمر أيضا
هذا ما خيل إلي وأنا أرقبه وهو يتعمد الانشغال بتفقد ملفي الطبي .. حاولت التمتمة بشيء ما لعلي أكسر جدار الصمت
لكنه سارع بفتح باب السيارة.. ثم ترجل ودعاني للترجل ..
لم يكن يفصلني عن المبنى إلا خطوات بعدد الإنسلاخات التي أتقنتها منذ اللحظة التي قررت فيها الموافقة والإذعان لقرار طبيبي المعالج...
خطوت الخطوة الأولى فارتسم أمامي انسلاخي عن عُشيَ الصغير الذي طالما احتضن أفراحي وأحزاني ووجعي ويقيني
وخطوت خطوتي الثانية فتذكرت أمي وهي تودعني وتعدني أنه حين سأعود ستكون قد هيأت لي كل ما يخص الشهر الفضيل الذي لا يفصلنا عنه إلا أسبوعين تقريبا ..كانت تعدني وكأنها تقول - إن عدت - ثم خطوتي الثالثة ..والأصعب
وأنا أودع طفلتي الصغيرة التي بدأت تمارس طقوس أمومتها المبكرة أمامي وتحتضن أخاها الصغير وفي عينيها الدامعتين سؤال واحد
هل ستعودين ؟
والآن يأتي موعد الانسلاخ الأخير ..تذكرت زوجي وتمعنت في ملامحه لعلي أقتبس منها ما قد يعينني على التحمل .
كان منهمكا بحواره مع الطبيب بتظاهر شديد ..كان الحوار يخص ورقة تنقص الملف ..أحسست أن الأمر كان نجدة من السماء لزوجي الذي ودعني مسرعا للبحث عن الورقة الضائعة وعن إحساس بالأمان ضائع أيضا
ناد الطبيب على إحدى الممرضات وقدم لها الملف..قال:
حالة كذا... غرفة رقم كذا
تقدمتني الممرضة وسرت وراءها مستجيبة لحركة من يديها تدعوني لذلك دون اعتراض ..وكيف أعترض؟
وأنا لم أغدو إلا رقما ....مجرد رقم ...وكأي رقم ، تمنيت لأول مرة لو كنت مترددة في قراراتي ...ضعيفة في شخصيتي ..أو حتى فاقدة للوعي حتى لا أحس بما يجري حولي وحتى لا أشهد انسلاخي حتى عن إنسانيتي واسمي و كياني مشيت وراءها في ممر طويل تساقطت على جنباته ذكرياتي
وابتساماتي وجولات قدتها بفخر شديد وظننت أنها خالدة وباقية ما بقيت الأنفاس بصدري
دخلت الغرفة المخصصة لي وجلست على طرف السرير وكأني أريد لمس أي شيء يجعلني أحس
أنني ما زلت أمتلك ملكة الإحساس بما هو حولي
وللحظة طرأت في مخيلتي فكرة أن أقول شيئا ..أي شيء، المهم أن أجرب إمكانية النطق عندي تمتمت بشيء ما لكن قبل أن أتمه كانت الممرضة قد غادرت المكان ولا أدري إن سمعتني أو أن صوتي لم يتعد حدود حلقي تكومت فوق السرير محتضنة أقدامي المتعبة وباحثة عن فكرة حشوت بها رأسي طول الطريق ، فالأمر لن يسرق من عمري إلا أسبوعا ..سبعة أيام فقط
فليشمروا على آلاتهم وليستنفروا أبحاثهم وليقيموا مهرجانهم التحاليلي فمهما كانت النتائج فالأمر لن يؤثر على حياتي فيما بعد
وبعد خروجي من هنا ومهما كانت طريقة مغادرتي للمكان فإن كان خيرا فهو رحمة من ربي
وإن كان غير ذلك فهو خطأ طبي لا أكثر...
قصتك مليئة بنوع من التوجس والخوف، وهذا طبعا لا يخفى لأن مثل هذه الأماكن وإنتظار التحاليل ةأمومر أخرى...كلها أشياء تقلق..
ردحذفانسلاخك من جو إلى جو ومن انسانيتك إلى رقم هو في حد ذاته شكل من الأشكال التي تجعل قصتك يطبع عليها طابع التوجس.
أعجبني الأسلوب وطريقة السرد، موفقة يا "حلم" موفقة دوما.
السلام عليكم ورحمة الله أخي
ردحذفيسعدني تواجدك أخي رشيد ، هي توجسات يتبعها الحمد والرضا
فالحمد لله أولا وأخيرا
بارك الله فيك أيها الطيب
قصه رائعه جعلتني اذهب بخيالي الى مكان عملي القديم
ردحذفاتمنى لك التوفيق
اسعدني تواجدك اخي النورس الحزين
ردحذفوراقني أن القصة ذكرتك بأمر ما
بارك الله فيك أخي
أختي الكريمة.. هذا الوصف الدقيق لمشاعر البطلة فطر قلبي لأني اعتقدت أنك هي وأن الموضوع حقيقي، خاصة بعد أن قرأت اقصوصة رصاصة الرحمة... ولولا ردودك على التعليقات لما فهمت..!!!!
ردحذفومع ذلك فلدي بعض الشك ربما بالفعل من شدة إتقانك..!
تحياتي مع تمنياتي لك بالسلامة والعافية.
لك ماجد القاضي
ردحذفنحن لا نكتبالا انفسنا ولا نتكلم الا بلسان حالنا
لا اخفيك سرا انني بطلة القصة بشكل او بآخر
بارك الله فيك اخي