التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مدينة بالي الوجهة الثالتة

قد يستغرب الجميع كيف أنني لم أكن أعرف مدينة بالي قبل السفر إليها ولعلي لم أتعرف عليها بالشكل المفترض حتى بعد زيارتها، بالي الكلمة التي جعلت كل من يعرف أنني زرتها يصرخ مذهولا
- واو بالي مدينة رائعة ، أليس كذلك
المدهل أنني اكتشفتها كوجهة سياحية بالأساس بعد عودتي لبلدي المغرب ، فزيارتي لها كانت زيارة عمل فقط ولم تكن مريحة بالشكل الكافي ، فلا أدري لم تم تغيير البرنامج المتفق عليه سلفا حول السفر إليها بالطائرة ، واكتفى المنظمون بسيارة ذات الدفع الرباعي حيث جلس نائب عميد الكلية السيد يوليزال يونس إلى جانب السائق وأنا خلفهم وبجانبي حمد المرشد العماني و الدكتور شيفرينال سيدان وزوجته السيدة نورمينيس نور المقعد الخلفي .
الشوارع التي قطعتها بنا السيارة داخل المدار الحضري لمدينة بادنغ منحتني فرصة للتعرف أكثر على هذا الشعب الأندونيسي البسيط جدا ، بعيدا عن الفندق الضخم الذي كنت أقيم فيه ، هنا تكاد تتحول الشوارع الشعبية إلى سوق طويل يمتهن بيع الفواكه والملابس وأمور عديدة لم يسعفني المرور السريع للسيارة للسؤال عن كل التفاصيل ، فقد كان مضيفي طول الطريق يتعمد أن يشرح لي بعض ما تعلق به عيني بلغة عربية فصيحة فهنا لا وجود لما قد نسميه لغة دارجة ، مثلا التجمع الكبير أمام أحدى الإدارات عرفت اعتمادا على شرح الدكتور سيدان إلى كون الإدارة تعتمد توزيع معونات على الفقراء ، الطرق مزدحمة جدا بالسيارات ولا أثر لشرطي المرور ولا للحوادث أيضا والحمدلله ، بينما اتخذ بعض الشباب دور تنظيم المرور فتجدهم قد وضعوا كرسيا وشمسية قرب الطريق يرتاحون فيها إذا ما خفت وطأة السير ثم يقومون لترتيب فوضى السير متلقين بعض الروبيات من السائقين ، مهنة لأول مرة أراها هنا ، غادرنا المدينة وانعرجت بنا السيارة نحو منعرجات خضراء حيث الطبيعة في أبهى صورها ، حقول الشاي التي تحتل جانبا كبيرا من الزراعات هنا وأشجار الكوكو ونباتات أخرى ، أكشاك تعرض المأكولات التي تتميز بها المنطقة ، دكاكين كبيرة تحوي كل أصناف شيبس وبألوان وأطعمة مختلفة ، حتى الأوراق الخضراء يصنع منها هذا الطعام المقرمش ، كنت قد تعرفت على الأمر يوم قدم لي أستاذ التربية الإسلامية هدية كبيرة الحجم ، صندوقا اكتشفت بعد فتحه أنه يحوي مجموعة من الأكياس المحكمة الإغلاق لهذا الطعام الشهي هنا ، في الطريق أيضا عربات صفت لبيع دجاج الكنتاكي الشهير ، مصنوع بشكل مشه جدا إلا أنني لم أستطع تذوقه تحسبا، فالطريق الملتوية زادت معدتي ألما حاولت مقاومة الأمر كثيرا لكن الأطعمة التي تذوقتها ذاك الصباح ومنذ وصولي لم تكن لتمنحني ذلك الارتياح الذي أترجاه ، صبرت كثيرا قبل أن أطلب من مشرفي إبلاغهم بالأمر ،إحساسي بالغثيان كاد يفقد شهيتي في السفر وكيف وأنا المطالبة بعد ساعات بتقديم محاضرة حول أهمية اللغة العربية للمسلمين ، لحسن حظي أن الطريق قد صفت بها العديد من المساجد فكنا نتوقف بعد كل فترة نرتاح بها قبل أن نكمل سيرنا ، المساجد باندونيسيا لم تكن تتطلب مساحة كبيرة ، فأي قطعة أرض قد تصبح مسجدا بمرافقه ، كنت أستعيد نشاطي بعد كل توقف، وفور وصولنا إلى محطة للاستراحة والغداء ، اقتحموا هم المقهى الصغير على سفح جبل وعر بينما ظللت خارجه أراقب الحشرات الغريبة التي كانت جمالية ربانية تضاف إلى الطبيعة بالمكان وبإصرار من مضيفي أدخل المقهى مديرة راسي حول ما قد يمكن أن أكله دون أن يعاودني الغثيان ، لم أجد إلا طماطم حمراء ، أخيرا شيء ما يشبه خضراوات بلدي ، طلبت من البائعة أن تجهز لي عصيرا ، كان عصيرا دافئا متشبعا بحرارة الشمس بالمكان ، لكنه مقبولا على كل حال ، بعد ذلك جلب لي المضيف كيسا بع مربعات صغيرة انتفخت بفعل الطهي أعتقد ، كانت موضوعة بالطاولات في هذا المطعم الصغير ، وبأحجام مختلفة ، قدمها لي وطلب مني أكلها فهي تقاوم الغثيان وألم المعدة ، تذوقتها ، لم يكن مذاقها مقززا ، كان مقبولا نسبيا وبعد أن استزدت منها أحسست براحة أكبر ، بعد أن ركبنا قدم لي كيسا اكبر من ذلك الدواء العجيب ، كانت ملوحته وقرمشته كفيلان بأن أقتحم الكيس الجديد رغم أن مضيفي لم يشرح لي بعد عن مكوناته والتي ما أن فعل حتى وضعت الكيس جانبا رغم أنني ودعت الغثيان ودون رجعة ، حاول مضيفي أن يشرح لي مجموعة من المراحل يمر بها ذلك الدواء الذي لم يكن في الأصل إلا جلد بقر يعرض للشمس وللمطر وللهواء قبل تقطيعه إلى مربعات صغيرة، دواء غريب لكنه فعالا في وقت كنت مستعدة لتذوق أي شيء مقابل التحرر من الحالة التي كنت عليها .

ليلى مهيدرة  

* كتاب السفر الى سومطرة الغربية * 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انشطار الذات الساردة: بين الحياة والموت قراءة في رواية " رائحة الموت" للكاتبة المغربية "ليلى مهيدرة"

  توطئة     تطرح  الكاتبة المغربية  "ليلى مهيدرة"  سؤال الموت في روايتها  "رائحة الموت" [1]   للتعبير عن رؤية مخصوصة لهذه الموضوعة، وبذلك تنخرط- منطلقة من تصورها الخاص ومن طريقة اشتغالها- في الامتداد التأسيسي لهذه الموضوعة، امتداد ينم عن وعي مسبق بإشكالية العلاقة بين الموت والحياة. فبناء على ميثاق سردي يُسْتهَلُّ السردُ في هذا العمل الروائي بإعلان الذات الساردة عن الموت، موضوعة جوهرية تمت الإشارة إليه تأسيسا على ميثاق قرائي في عدد من العتبات النصية الخارجية التي تمثل موازياتٍ نصيةً دالة ونصوصا مصاحبة وملحقات روائية مثل ا لعنوان  وا لإهداء : " للموت الذي تفوح منا رائحته حتى في اللحظات الأكثر حياة " تعزز هذه الموضوعة المركزية  بمُناصات أخرى  متمثلةٍ في  عتبة المقولات التقديمية [2]   باعتبارها  نصوصا موازية: "* الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا* (علي بن أبي طالب) * لا أدري إن كانت هناك حياة بعد الموت لكن أتساءل هل هناك حياة قبلها* ( بيير غابي) "  [3] . في هذا الإطار، تؤدي هذه العتبة داخل العمل الروائي بشكل عام،  " دورا مهما في

عزيز نسين وقراءة في مسرحية افعل شيئا يا مت

                                                                                 عندما قرأت مسرحية  ' افعل شيئا يا مت ' لكاتبها عزيز نسين   اعتقدت أنني قد عرفت الفكر الراقي لهذا المؤلف   التركي خاصة وأن الكتاب كان  إلى حد ما  شبيه بالفكر السائد بالمجتمع العربي والإسلامي .لكنني عندما اقتربت من مؤلفاته المتنوعة وجدته بحرا من التجارب الإنسانية  ولو أنها ارتبطت في أغلبها ببلده تركيا إلا أنها لا تختلف كثيرا عن ما عاناه الكتاب في البلدان العربية في مراحل مختلفة . من هو عزيز نسين ؟ كاتب تركي من رواد الأدب  الساخر في العالم بأسره ، ترجمت كتبه المتنوعة إلى 23 لغة وفاز بجوائز عدة من منتديات دولية لكن في بلده عاش  الكاتب المضطهد والمنفي لأنه عرى صورة بلاده أمام الغرب . اشتغل عزيز نسين واسمه الحقيقي محمد نصرت في مهن عدة ضابط جيش ورسام ومعلم للقرآن الكريم وبائع للكتب والمجلات ولم تكن اغلب هذه الوظائف إلا وسيلة للعيش في مناطق نفي إليها حتى يستطيع مقاومة البرد القارص والجوع  كما يظهر ذلك جليا في كتابه ذكريات في المنفى .  وللكاتب عدة مؤلفات روائية وقصصية ومقالات وسيرة ذاتية  ، ومن عناوين

خطة للتراجع عن قرار التراجع

 مدخل .      التراجع لم يعد استراتيجية حربية بقدر ما صار طريقة للعيش حتى أصبحنا نتراجع دون أن ندري لم في نفس الوقت الذي نكون فيه مقتنعين بالعكس .     لم يخبروه أن الحرب انتهت أو ربما اخبروه ونسي وظل يرسم الخطة للهجوم الأخير مبشرا نفسه بتحرير الباقي من أرضه وأسرى لم يكونوا إلا جنودا تحت إمرته رفضوا القرار الصادر من القيادة العليا وقرروا الهجوم خاصة وان ملامح النصر كانت بادية لهم بينما هو ظل بين صوته المسموع يزمجر لاهثا وراءهم يدعوهم للامتثال للأوامر العسكرية وصوت خفي يدعوه لكي يتقدمهم - لم نكن مهزومين فلما نتراجع؟ ظل يرددها حتى أسكته صوت القائد - يبدوا انك كبرت في السن وتحتاج للراحة مقدم حسام حسام إيه ...رددها بداخله وأنا لم أكن إلا عصا في أيديكم تقولون اضرب فاضرب وتقولون أحجم فأحجم احتضن انهزامه والقلادة العسكرية وعاد إلى بيته تناسى كما تناسوا هم سنين عمله وكده واجتهاده لكنه ظل يذكر أبناءه كما يناديهم دوما جنود أحرار كان طوال ليالي الحرب الطويلة يحكي لهم عن الأرض والعرض وعن الواجب وعن الوطن لا يدري لم يحس انه اخذلهم بقرار التراجع كلما تذكر تلك الليلة إلا وعاد ليستجمع أوراقه ويرسم الخ