التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الدولاب




فتح عينيه في تثاقل شديد ومد بصره في كل أنحاء الغرفة بدأ من السقف الذي غطت خيوط العنكبوت الرمادية بقايا الجير فيه ، ووصولا إلى الدولاب القديم ، كاد أن يبتسم وهو ينظر إليه، أحس أنه انتصاره الوحيد الذي قد يخلفه إن مات ، فبهذا الدولاب يستطيع أن يروي حكايته حيث يعود غاضبا ويقذف ببابه حتى ترتعد جنبات الغرفة الشبه فارغة أو حيث يقف أمامه لساعات طوال يريد أن يختار بين بذلتيه اليتيمتين إن كان على موعد ما، وغالبا ما يكون مع احد مديري الشركات ممن تعود الاستقبال الحار والابتسامة العريضة وكلمة اعتذار على طلب الوظيفة الذي تقدم به.
ولدولابه حكاية ، كان حين رآه لأول مرة أمام بيت أحد المستعمرين، كان شيئا جميلا، اقترب منه، أغراه منظره، تقرب منه السمسار ..
- إنه من النوع الجيد ، صاحب البيت أجنبي ويريد العودة إلى وطنه، لو لم تكن الطريق بعيدة لحمله معه، أنت تعرف أغلب المستعمرين يعودون إلى بلدهم الآن
و..
لم يكمل حديثه، أسكته بحركة الواعي المقدر للظرف، وسأل.
- كم يريد ثمنا له ؟
طرح السؤال وكان قد أجاب نفسه عليه أنا سأشتريه ...لن أمنح هذا المستعمر فرصة أخد هذا الدولاب كهذا معه، قد يحمله فوق سيارته، فهو صغير الحجم، لن يكلفه الكثير ، أحس أن مصيره قد ارتبط بهذا الدولاب  ، إنها مسألة كرامة، يكفي هذا المستعمر ما نهب من خيرات البلاد، لن أسمح له بحمله معه  فهو مصنوع من خشب بلادي وبمهارة ابن الحرفة، إنها كرامتي، طريقتي في الحرب .
باع أشياء كثيرة يومها ودق أبواب أكثر  ليعود به آخر الليل  يحمله على ظهره، كان انتصارا، وضعه بقوة، تكسرت إحدى أرجله، سقط، فقد توازنه وسقط هو الآخر... كاد أن يضحك لولا الألم، يذكر يومها أنه رقد لمدة شهر، وقدمه بالجبس، ألم أقل لك أن حكايتنا واحدة، قالها وهو يصلح الرجل المكسورة ..
مضت سنوات بعد ذلك وأزمات اضطر إلى بيع أشياء كثيرة، إلا هذا الدولاب ..
- لا أحد يبيع نفسه .. قالها وتنهد وعاد إلى غفوته ...

تعليقات

  1. وكما عادتك هناك أشياء خفية بين السطور، القصة تحمل فكرة معينة قد تتمحور حول المحافظة على المنتوج الوطني، وهو عند البطل كنوع من تحقيق انتصار ولو أنه وقع في أزمة مالية وضيق لا يهم المهم أنه لم يسمح بشيء ملك لوطنه أن يأخذه الأجنبي.
    أعجني أسلوب القصة ومغزاها كذلك.
    شكرا لكِ

    ردحذف
  2. السلام عليكم أختي حلم

    أسلوبك القصصي أكثر من رائع ... أعجبتني لغتك المتمكنة في الوصف وأعجبني كثيرا تسلسل سرد الاحداث للوصول إلى الفكرة التي كانت مختبئة وراء ذلك الدولاب .

    أعتقد أن أمثال هذا الشخص قليلون في أيامنا هذه ولكن نسأل الله تعالى أن يكون المستقبل مشرقا بأشخاص يؤثرون محبة أوطانهم ومصلحة أبناء شعبهم على مصالحهم الشخصية .

    كل الود

    ردحذف
  3. أخي ا[و حسام الدين
    تعجبني قراءة لما تحت السطور ، فعلا الدولاب ليس الا رمز لخيرات الوطن التي إن لم تكن لنا القدرة على استرجاعها نشتريها مع أنها حق لنا ونخلق من الأمر انتصارا يرضي غرورنا
    بارك الله فيك أخي الطيب

    ردحذف
  4. السلام عليكم
    أخي أشرف
    يسعدني فعلا أنك قد وجدت في مدونتي ما قد يرضي غرورك وإعجابك أخي
    سعدت بتواجدك أيها الطيب

    ردحذف
  5. الفكره ومن شدة بساتطها تبدو للوهلة الاولى وكانها سطحيه وهى ليست كذلك بطبع
    لا ابالغ اذا قلت انها شبيها بقصص تشيكوفسكى
    البساطه هى السهل الممتنع
    الدولاب رمز يحمل اكثر من معنى بل ولا ابالغ ايضا ازا قلت انه الوطن الذى لايشعر بقيمته ويقدرونه حق قدره الا البسطاءامثال ذلك البطل
    اخيرااذكرك بموضوع الغه فهى هنا اشبه بلغه المقال وليست لغه ادب ولكن لا الومك لان هذه المشكله منتشره عند شباب الكتاب فقط هى تعالج بالقراءالكثيره والمستمره

    ردحذف
  6. السلام عليكم ورحمة الله
    أخي عباس بن فرناس
    افرحني تواجدك هنا فالدولاب هو تاريخ امة مغتصب ، حق ضائع لم نستطع استرجاعه فقررنا شراءه
    قد تكون اللغة تقريرية مقالية فأحيانا لا نحتاج للأدب ما دمنا نرصد حقيقتنا بعين ناقلة فقط

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلام الله عليك يا شام

يقول نزار ك أنا الدمشقي لو شرحتم جسدي لسال منه عناقيد وتفاح فأقول لملموا عناقيدا على الطرقات سالت وأشلاء من باسم حب دمشق  قد راحوا عد يا نزار فقد ضاعت طاحونة البن والشوارع وعيون النساء والأقداح فسيف المحارب نصله بيدي وعلى نحري يرسم على  الجراح جراح ويسقي  الغادين ياسمينا وورودا أينعت بحمرة الدم عطرها بالموت فواح وتقول أيا زمنا يعبث بتاريخي ويوقظ فرسانا لحرماتي استباحوا عد يا نزار فــــ بلقيس هنا تمشط شعرها وتغني لمن غدوا ومن راحوا وتُسائل العاشقين عنك فيجيبها الصدى منك رِماح وتقول سأكتب على جسد الشام آخر قصائدي ثم أستقيل سألتمسها  عذرا كما مخطئ أجرم بحق السماء سأرسمها  بشفاهي كما عاشقة تجيد فعل الانتماء كما لم تلعب ريشة دافينشي على جسد الجيوكاندا فأنت لوحة رُسمت وكان الفناء سأعزفك بصمت الخفاء سيمفونية تركع لها كل قصائد الشعراء أيها اللحن الممتنع المتمنع  رغم اللقاء سيرتبك جسدك بين يدي ويرتعد ويرقص كدخان سيجارة بكبرياء وستعترف أن للغد غد أخطأته ...

عزيز نسين وقراءة في مسرحية افعل شيئا يا مت

                                                                                 عندما قرأت مسرحية  ' افعل شيئا يا مت ' لكاتبها عزيز نسين   اعتقدت أنني قد عرفت الفكر الراقي لهذا المؤلف   التركي خاصة وأن الكتاب كان  إلى حد ما  شبيه بالفكر السائد بالمجتمع العربي والإسلامي .لكنني عندما اقتربت من مؤلفاته المتنوعة وجدته بحرا من التجارب الإنسانية  ولو أنها ارتبطت في أغلبها ببلده تركيا إلا أنها لا تختلف كثيرا عن ما عاناه الكتاب في البلدان العربية في مراحل مختلفة . من هو عزيز نسين ؟ كاتب تركي من رواد الأدب  الساخر في العالم بأسره ، ترجمت كتبه المتنوعة إلى 23 لغة وفاز بجوائز عدة من منتديات دولية لكن في بلده عاش  الكاتب المضطهد والمنفي لأنه عرى صورة بلاده أمام الغرب . اشتغل عزيز نسين واسمه الحقيقي محمد نصرت في مهن عدة ضابط جيش ورسام ومعلم للقرآن ...

لم الصمت ؟

لم الصمت ؟.... وقد كانت كلماتنا روحا تنتفض لها أرجاء الصبر لم الصمت ؟... وقد كانت حروفنا رسائل تتحدى القدر كانت كتاباتنا حقيقة تصد بحبرها بؤرة اللوعية وتخمد نار الخديعة ترد رماحا نصبت لتصوير طعنات الغدر. لم الصمت ؟... وقد صيرت انتظاري لهفة تلازمني بكل ألوان الاشتهاء، تراودني بقايا حروفك بشغف يسقط الوهم من علياء أعد عشقي لٱستقبال حرفك المقيم بداخلي كظلي بولاء لم تتخفى خلف أبواب الصمت ، وتحمل قلبي على نعش الفناء ؟ كل حروفك مكومة بموائدي الصماء أقتات منها لأرتوي من أنهارك وأملأ قرابي من نشوة وصالك. لم الصمت إذن؟... أنا بٱنتظارك... أحضن أوراق البوح أقطف الثمار من أشجار كلامك ، لا خريف ينثر أوراقها لتدوسها ظلالك تكلم لأحصي حروفك وأعيد البسمة لبوار أفيائك تكلم لتسجل حكايتنا على مشارف أشعارك ورائحة العنبر المصقول تنقش مجازاتها بلا انتهاء. لا تواري عشقنا تحت الرماد فقد اشتعل ما تبقى مني لهيبا تائه لا يبالي بالحريق ولا الفناء هي نشوة تملأ انفاسي ترسم عثراتي على دروبك وتمضي على مهل تنقش أمنيات ببصيص من ضياء تقول لك باستسلام غادر صمتك فأنا انا....بانتظارك. من ديوان "تقاسيم على نبض الحلم...